روائع مختارة | روضة الدعاة | السيرة النبوية | ماذا يعرف المسلمون حقًّا عن الهجرة.. دراسة ميدانية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > السيرة النبوية > ماذا يعرف المسلمون حقًّا عن الهجرة.. دراسة ميدانية


  ماذا يعرف المسلمون حقًّا عن الهجرة.. دراسة ميدانية
     عدد مرات المشاهدة: 4301        عدد مرات الإرسال: 1

الكِتابةُ عنِ الهِجرة النبويَّة صعبةٌ للغاية، وسهلةٌ للغاية أيضًا، فهي مِن تلك النوعية من الموضوعات التي يظنُّ كثيرون أنَّ كلَّ ما يمكن أن يُقال فيها قد قِيل بالفعل، وأي مزيد مِن كلام يُقال سوف يكون من قبيل فذكِّر.

مثلها في هذا كمثل موضوعات: المَوْلد النبوي، غزوة بدر، أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم... إلخ مِن الموضوعات الأساسية في الثقافة الإسلاميَّة.

وهي- بالمناسبة- ذات النوعية المُفضَّلة لدَى عددٍ كبير من خطباء المساجِد التابعة للحكومات في معظَم الدول العربيَّة، خُطبة سهْلة، موضوع مُكرَّر ومحفوظ، ومِن الممكن تحضيرُه في عشر دقائق، بل وارتِجاله أيضًا، وفوق هذا وذاك، لا يصطدم بأيِّ نقاط حسَّاسة مِن تلك التي تناقش واقعَ المسلمين الحالي، ومِن الممكن أن تجلبَ له- وجع الدماغ- أو تساؤلات غير مرغوبة؛ لذا فإنَّنا كثيرًا ما نرى خُطبًا مستنسخة من غيرها تُعمَّم على جميع المساجد في مناسبات بعينها، ومِن ضمنها الهجرة طبعًا.

بَيْدَ أنَّ لهذا الأمرِ جانبًا إيجابيًّا أيضًا، فما أجملَ أن يعرِفَ جميعُ المسلمين أحداثَ الهجرة النبوية بالتفصيل، ويُلمُّوا بما فيها من مواقفَ وعِبر ودروس، يحاولون تطبيقَها في حياتهم، وقد يَتصوَّر أحدٌ أنَّ هذا الأمر متحقِّق بالفِعل، فما دامتْ هذه الأحداثُ تتكرَّر على أسماعهم ليلَ نهارَ عبرَ وسائل الإعلام، والجرائد والمجلات، وخطب الجُمُعة، فلا شكَّ أنَّ الجميع قد صار يحفَظُها عن ظهْر قلْب، أليس كذلك؟!

فإذا كنتَ أحدَ المعتقدين في هذا الأمر فأدْعُوك لنرَى معًا ما إذا كان هذا صحيحًا، فقد قمتُ بفضل الله في الأيَّام السابقة بإجراءِ استبيان بين عددٍ مِن الشباب تتنوَّع جنسياتُهم وأماكنُ إقامتهم بين عددٍ من الدول العربية، بلغ عددُهم 65 شابًّا، من عدد من الدول العربية والإسلامية عن طريقِ طرْح 3 أسئلة محدَّدة عليهم.

قبل أن أعرِضَ عليكم الأسئلةَ ونتائجها، أودُّ أن أُنوِّهَ بشيئين غاية في الأهمية:

الأول: أنَّ تِلك الدِّراسة السريعة ليستْ بإحصائية، يمكن الاعتمادُ عليها في دراسات أُخرى، فللإحصائيات الموثَّقة شروطٌ قد لا يتوفَّر كثيرٌ منها في ذلك الاستبيان المصغَّر، يمكننا أن نُسمِّيَها استطلاعَ رأي، أو استبيانًا، أو دِراسة ميدانيَّة أو غيرها؛ حتى لا نُحمِّل الأمور فوق طاقتها.

الثاني: هو أن أشكر صديقَيْن مِصريَّيْن عزيزَين ساعداني في هذا الاستبيان، بالإضافةِ لشُكر كلِّ مَن شارك في الاستبيان، وأجاب عن أسئلته، حتى ولو بالصمتِ التام، بالإضافةِ لكون الشكرِ واجبًا لشبكة (الإنترنت) العالمية.

معلوماتٌ حولَ الاستبيان والمشاركين فيه:

1- شارَك في الاستبيان 65 شابًّا مسلمًا من مختلَف الدُّول العربية ما بين 15 و36 عامًا.

2- تَمَّ الابتعادُ قدر المستطاعِ عن الأشخاص ذوي الالتزام الدِّيني الواضِح، أو ذَوي التعليم الأزهري، فهُم قِلَّة يُتوقَّع منها معرفةٌ لا بأس بها بالأحداث، على العكسِ من كثيرٍ من الشباب الذي لا يضَع الدِّين على الإطلاق ضِمنَ أولوياته، هذا إنْ وضعَه ضِمنَ اهتماماته أصلًا!

3- الاستبيان تمَّ شفهيًّا أو عَبرَ شبكة (الإنترنت).

والآن فلنبدأ:

القسم الأول: كان اختبارًا لمعرفةِ مدَى إلمام الشخص بأحداثِ الهِجرة النبويَّة عن طريقِ سؤال عام، ثم السؤال عن عِدَّة نقاط محدَّدة حولَ موعدِ الهِجرة، ودَوْر الصحابة وغيرها.

السؤال الثاني كان: ما هو المشهدُ الذي يتبادر إلى ذِهنك فورَ ذِكْر الهِجرة النبوية؟

السؤال الثالث كان: هل هناك شيءٌ يُمكِنك أن تقول إنَّكَ استفدتَه من الهِجرة النبويَّة، وتنفذه بالفِعْل في حياتك؟

بخصوص السؤال الأول: يُمكنني في البداية أن ألخِّصَ إجابةً مشتركة وردتْ على ألسنة الجميع تقريبًا بخصوص سؤال: (ماذا تعرِف بالضبط عن هِجرة النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؟).

الإجابة هي:

الهِجرة النبوية تمَّتْ من مكَّةَ إلى المدينة وهاجَر فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر والمسلمون فِرارًا مِن ظُلْم مشركي مكة، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم في صُحبة أبي بكر الصِّدِّيق، وقدِ اختبأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصاحبُه في الغار- يرَى كثيرون أنَّه غار حِراء!- وقد جاءتِ الحمامة فوضعَتْ بيضَها على بابِ الغار، وجاء العَنكبوت فنسَج خيوطَه، وهكذا لم يتعرَّفِ المشركون على مكانِ الغار، وخرَج النبي صلى الله عليه وسلم ووصَل إلى المدينةِ، واستقبله أهلُها بنشيد طلَع البدر علينا.

وعندَ سؤالهم بعضَ الأسئلة عن الهِجرة جاءتِ الإجابات الصحيحة كالتالي:

مَن الذي هاجَر مع النبي؟ 62 شخص 95 %

في أيٍّ عام بعدَ البعثة كانتِ الهجرة النبوية؟ 14 شخص 37 %

ماذا كان دَورُ عليِّ بن أبي طالب يومَ الهجرة؟ 55 شخص 84 %

ماذا كان اسم الغار الذي اختَبَأ فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر؟ 31 شخص 47%

ملحوظة: حصَل غار حِراء على نِسبة 32 % من الإجابات- 21 شخصًا!

مَن هو الشخصُ الذي نَزَل عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم فورَ وصوله إلى المدينة؟ 17 شخص 26 %

مَن كان المرشدَ في الطريق؟ 9 أشخاص 13%.

ملحوظة: حصَل أبو بكر الصِّدِّيق على نِسبة 38 % من الإجابات- 25 شخصًا!

عند طرْح السؤال الثاني حولَ الموقف أو المشهَد الذي تتذكَّره عندَ ذكر الهِجرة النبوية تراوحتِ الإجابات ما بيْن:

1- موقِف الحمامة والعنكبوت على بابِ الغار.

2- مشهَد النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو يسيرُ في الصحراء.

3- مشهَد استقبال النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المدينة، بينما المسلمون يرفعون جريدَ النخل احتفالًا.

السؤال الثالث: عن الشيءِ الذي استفدتَه مِن الهجرة النبويَّة، كانت الإجاباتُ تأتي على غِرار بالطبع كثيرًا جدًّا، ثم يأتي التأكيد على الصبر- الإصرار- الجهاد.

أمَّا عند التأكيد على جُزئية (درس تُنفِّذه بالفعل في حياتك العَملية)، تحوَّلت الإجابات إلى (بالطبع تلك دروس مُستفادَة، ولكنَّ البعضَ لا يستطيع تنفيذَها بدِقَّة)، أو (إننا نُحاول)، أو (ادعُ لنا)... إلخ.

أمَّا نِسبة مَن أصرُّوا على موقفِهم بأنهم قد تَعلَّموا أشياءَ مِن الهجرة استفادوا منها في حياتهم الواقعية، فكانت 8 أشخاص، بنسبة 12 % (أحدُهم كان يرى أنَّه يجب الابتعادُ عن المشاكلِ قدْرَ المستطاع)!

وقبل أن أطرَحَ رؤيتي بشأن الاستبيان وأسئلته، أودُّ أن أوضِّحَ بعض الحقائق بشأنِ السؤال الأول:

هاجَر النبيُّ صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر الصِّدِّيق (وليس وحْدَه أو مع جمْع من المسلمين)، وكانتِ البعثة النبوية بعدَ 13 عامًا مِن الإقامة في مكَّةَ المكرَّمة.

وقد كان دَور عليِّ بنِ أبي طالب أن ينامَ في فِراش النبي صلى الله عليه وسلم كتمويهٍ؛ حتى لا يعلمَ المشركون بخروج النبي صلى الله عليه وسلم وكان اسمُ الغار الذي اختبأ فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم أثناءَ الهِجرة هو غار جبل ثور، وكان مرشدُهم في الطريق هو عبدَالله بن أريقط، ونزَل النبي صلى الله عليه وسلم في بيت أبي أيُّوبَ الأنصاري.

ولنا وقفة:

1- الاعتقادُ بأنَّ جميعَ المسلمين يعرِفون أحداثَ الهجرة هو اعتقادٌ خاطئ، بل وحتَّى المسلمون الذين يعتقدون أنَّهم يعرِفون الهجرةَ جيدًا تجدُهم عندَ السؤال لا يَعرِفون الكثير من المعلومات الأساسية، مثل عدد السِّنين التي مكثَها النبيُّ رضي الله عنه في مكَّة قبل الهِجرة.

2- الكثيرُ مِن المسلمين العرَب يَعرِفون عن الهِجرة مِن الفيلم السينيمائي الشهير (هِجرة الرسول) الذي يُعرَض في (التلفاز) في رأس السنة الهِجرية، وقد لاحظتُ هذا- قبلَ أن أسألَهم- مِن ذكْر مشهَد الحمامة والعنكبوت، ومشهد استقبال النبيِّ صلى الله عليه وسلم في المدينة مع الأُغنية الشهيرة: (طَلَع البدر علينا)، وهي المشاهدُ التي ربَّما لم يعرفْها الناس سوى مِن الفيلم.

3- كِلتا القِصَّتين السابقتين غيرُ ثابتتين بنسبة100 %، فمشهد الحمامة والعنكبوت جرَى تضعيفُه مِن جمهور علماء الحديث، وقد صحَّحه بعضُهم، ولكن الأغلب الأعم كان على التضعيف، أمَّا نشيد طلَع البدرُ علينا الشهير، فهو بدوره غيرُ ثابت، ويُمكنكم الاطِّلاع على أبحاث في هذا الأمر في مجلس (الألوكة) العلمي مِن هنا:

http://majles.alukah.net/showthread.php?t=37746

4- مِن ملاحظاتي الأخرى عندَ سؤال الشباب من 15 إلى 20 عامًا أنَّ أغلبهم قد ذكَر دروسَ المساجد وحكاياتِ الآباء، بينما الأكبر سنًّا قد ذكَر الأصدقاء من المتديِّنين أو فيلم (هجرة الرسول)، (ولا تَسألْني: كيف لعاقلٍ أن يَستقي معلوماتِه الدِّينيَّة من فيلم سينيمائي؟!).

5- الخُطب المنبريَّة، والأساليب التقليديَّة في الكلام عنِ الهجرة لم تُؤتِ أُكلَها بالشكل الواجب، فكيف يكون هذا وقدْ جهِل أكثر المسلمين معلوماتٍ أساسيةً عن الهِجرة النبوية؟

6- الاعتقاد بأنَّ تَكْرار الحديث عن الهِجرة النبوية هو أمرٌ ذو أهمية؛ لأنَّ الكلَّ تقريبًا يعرف أحداثَها- هو بدوره اعتقادٌ خاطئ جدًّا.

أخيرًا:

فإنَّ تلك الحالة المزرية والمؤلِمة والمحبطة مِن الجهل ليستْ مسئوليةَ أصحابها وحدَهم، بل هي مسئوليةُ كلِّ مسلِم، فأنْ تُذكِّر مسلمًا بسِيرة النبي صلى الله عليه وسلم ليس تفضُّلًا منك، وليس عملًا ثانويًّا، بل هو واجبٌ عليك في ظلِّ تلك الحالة المحيطة، فهي مسئوليتك بالدرجة الأولى إنْ كنتَ لا تعرِف ما يَكفي عن سِيرة النبي صلى الله عليه وسلم وبالدرجة الأولى أيضًا إنْ كنتَ تعرِف أشخاصًا غير مُلمِّين بسيرة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وما أكثرَهم! ولن يكون الأمر غريبًا في ظلِّ قدوم موعدِ الهِجرة النبوية تلك الأيَّام.

فليس أسهل مِن نشْر رابط لموقع إسلامي على موقعك على (الفيس بوك)، أو (تويتر)، أو على برنامج المحادثة msn، أو غيرها، وأرجو ألاَّ تتسبَّب تلك الإحصائية في إصابةِ بعضِ القرَّاء بالتشاؤم أو الإحباط مِن جهل المسلمين- كما أصابتْني للوهلةِ الأولى- وليُحوِّل غيظَه لعملٍ، بدلًا مِن رفْع ضغط دمِه بلا طائل؛ فالدالُّ على الخيرِ كفاعله.

أعانَكم الله ووفَّقكم وأثابَكم.

والسلام عليكم.

الكاتب: أحمد زكريا.

المصدر: موقع الألوكة.